الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

اقتلوا ركس !



زمان ...كانت طفلة جميلة , ليس شكلا , انما مضمونا , أو كما اعتادت أن تخبرها أمها : "أنتى زهرة الأحلام التى ترتمى على الأرض لتشرب من ماءها ثم تعود مرة أخرى منتصبة كالنخل فى وجه الريح ...مع انك زهرة صغيرة ". كانت تشعر بحلاوة شديدة فى قول أمها ذلك, الذى لم تكن تفهمه , كانت تصلها الأحاسيس , لكن لم  تصلها المعانى لصغر سنها , و هو ما اعتادت أن تخبر أبيها به:" فى المدرسة يلقوننا أشياء.. أشعر أنها كبيرة ..كبيرة جدا و مهمة ..لكننى لا أفهمها يا أبى "

كل ما استطاعت أن تحفظه من دروسها , ذلك الدرس الذى يتحدث عن الكلاب .. "الكلاب كائنات حساسة , قوية , طيبة , قد تبدو شرسة , لكن الله خلقها هكذا لتحمى الإنسان و تدافع عنه , كما أنها صديقا و فيا تستطيع أن تترك مع جميع أسرارك, كما يمكنك أن تشاركه مكانك و سريرك! "..."باباااااا , أنا بحب الكلاب , أنا عايزة كلب"

 بالفعل ..لم يكذب أباها خبرا , ففى عيد ميلادها الثانى عشر أهداها "كلبا صغيرا" ,كانت فرحة وقتها , فناما يومها سويا , استيقظنا ليعدا "سويا" الفطور , ثم خرجنا للعب فى الحديقة ...سويا ! .مرت الأيام بينهم فى سعادة لا متناهية , كل يوم يزداد حبها له , بل يزداد اعجابها و عشقها للكلاب أجمعين .

مرت السنين هكذا , احترام و اعجاب من تجاهها للكلب , حبا يزيد فى كل حركة يفعلها ,فى كل وثبة فى كل شىء .. عندما بلغت السابعة عشر من عمرى , بدأت تظهر على جسدها معالم الازدهار الأنثوى , فبدأت تثير فى من قلوبهم مرضا , الرغبة فى تفحصه " فى الرايحة و فى الجاية " ,لم تكن وحدها بالطبع , فقد كان "كلبها" معها فى مثل هذه الأوقات الصعبة , كان يكشر عن أنيابه لهذا و يزأر لذلك , حتى أتى ذلك اليوم الذى "قدس" صورته فى مخيلتها...للأبد !  عندما هاجمها "بالفعل " أحد الفتوات الذى أتى على االمنطقة حديثا ,مستعرضا فحولته على "زهرة لسه بتفتح" , تصدى الكلب له بكل ما يملك من طاقة , و قوة , وشجاعة . استطاع أن ينتصر عليه و أن يُعلم كل من يُحاول المساس بها درسا لن ينساه , نعم , قدسته!

مرت حوالى ثلاثة عقود و بضع سنين , تعمل و تدرس و بالطبع لازلت لا تفهم شيئا لكنها استسلمت لهذه المسألة "من زمااااان" . لم يغب عن ذاكرتها بسالته ذلك اليوم , فظلت ذكرى كلبها تلوح لها يوميا تذكرها بالنعمة التى أنعم بها علىها ...كلبها !

بالرغم من أنها لاحظت بعض التغييرات عليه , فبدأ يتغوط فى فراشها و لا يداريها , بدأ يخيف جميع أصدقائها حتى ابتعدوا عنها جميعا , لكنها دائما ما كانت تعذره  لكبر سنه تارة أو لعدم فهمها تارة أخرى بما يدور حولها ..." و من امتى و أنا بفهم !"

لكن ما أثار حفيظتها "حقا " , ه عندما بدأ "يتحرش" بها فى مناطق غريبة ...مناطق لم يطلها لسانه منذ أن عرفته , فكان أقصى ما وصل اليه كلبها هو أن يلعق خديها تعبيرا عن حبه لها ...رغم ما كان يثيره ذلك من اشمئزاز وقرف بداخلها الا أنها كانت تعذره بحجة انهما صديقان , و كل صديق يحب صديقه "بطريقته " !

قررت أن تأخذه الى عياد الدكتور البيطرى , و كانت المرة الأولى التى تطأ قدميهما هذه المكان الحساس ._بالنسبة له_ .
...........
-خير يا دكتور طمنى ؟
-سعار !
-ألف سلامة يا دكتور .
-طب هو عنده ايه ؟
-سعار !
-أه..
صمت ثم فكرت أنه يجب أن تطمأن عن حالة كلبها , فقررت أن تسأله ثانية :
-حضرتك تشخص حالته ديه بايه
نظر اليها الدكتور بنظرة لم تفهم معناها, لكن كان بها شيئا من الغباء كما اعتقدت هى," له فى خلقه شؤوووون "
-سعار يا هانم ..عنده سعار !

لم تفهم سبب عصبيته المفرطة هذه و أخذت تتسائل داخل نفسها " و أنا مالى و مال السعال اللى عنده أنا عايزة أعرف الكلب عنده ايه !!  دكتور غبى صحيح "

و قبل أن تهم لتسأله  قال :
السعار ...هو "داء الكلب"...فيروس يصيب الحيوانات و الانسان برده.

لم تفهم ما قاله الدكتور فأجابته :
و هل هذا موجود فى كتاب الوزارة ؟

طأطأ الدكتور رأسه الى الامام و كأنه لا يسمعها  :
أفندم ؟! –

-كمل يا دكتور ..كمل!

- المهم ...ان الفيروس ده بيقاوم التبريد لفترات طويلة ولكنه يُتلف بالغليان، التعرض لأشعة الشمس أو التجفيف، إلا انه لا يتأثر بالمطهرات الموضعيه *.

همهمت لنفسها :
ليه كلهم مُصريين يفكرونى انى مبفهمش !

-كان ممكن نعالج الموقف لو كان الكلب أخد اللقاح الخاص بالمرض, لو كنتى حضرتك أخدتى احتياطاتك  , لكن الكلب فى مراحل متأخرة جدا ...ده بيشطب !!

ثم ضحك بشدة لم يوقفه الا نظرتها الصامتة التى كانت تقول : " ظريف أوى !",فاعتدل و أخذ وقار الدكاترة ثم قال :
لازم يتقتل !

شهقت : يتقتل !!!!!

-يا هانم لو متقتلش , هيقتل حضرتك , هيمشى يقتل فى الناس واحد واحد !

-ازاى حضرتك , انت متعرفش حاجة , احنا صحاب , ده صديقى الوفى , كتاب الوزارة صفحة 14 درس "الكلب صديقى " كان بيقول كده , ده هو اللى حمانى لما كان عندى 17 سنة , ده هو اللى حامينى دلوقتى , ازاى أنام و هو مش موجود فى البيت .

-كان لازم من الأول يتم تلقيحه و تسكينه بره البيت , مش جواه , لكن للأسف الوقت متأخر , لازم يموت , هو اسمه ايه؟

-ركس

-اسم مشهور أوى

لم تفهم هى معنى ما قاله , لكنها همت لتغادر و هى تحمل "ركس" على أعناقها , فسألها الدكتور :
مش هتدينا الأمر بقتله؟

-مش هقتل اللى حمانى فى يوم !!

-لكن اللى حماكى اليوم ده مش هو اللى انتى شيلاه دلوقتى !
استجمع الدكتور قواه ليحاول أن يفهمها أن ما تفعله هو ضد أى شىء بجميع المقاييس  فصرخ فيها :
-لو مقتلتيهوش النهاردة هيقتلك هو !

لم تأبه لكلامه و خرجت و هى تغلق الباب بقوة خلفها حتى لا تسمعه و هو يصرخ مرددا:
هيقتلك !!! هيقتلك !!.

 خرجت  تمسع دموعها وهى  تمسح على ظهر "ركس" , و تقول له : كيف أقتلك و انت تحبنى ...كيف؟ !



ذأر "ركس" زئير خفيف ..لم تسمعه فى البداية , لكن زأيره أخذ فى الاشتداد  , قفز من بين يديها , وقف أمامها ليمنعها من "الخروج" , لم تصدق ما تراه عيناها و تذكرت على الفور كلام الدكتور , حاولت التنحى يمنة فحاصرها, تحركت يسرة فرجع خطويتين الى الوراء , و أسند كل طاقته الى قدميه الخلفيتين فى حركة تشبه الضغط على الزناد , استعدادا للهجوم عليها , صرخت بشدة , سمع الدكتور صراخها , فرفع سماعة الهاتف و ضغط على الزر الخاص بأمن البوابة و همس لهم حتى لا يسمعه "الكلب":

احموها و اقتلوا "ركس" , اقتلوا ركس...