الأربعاء، 13 يونيو 2012

"إحنا الصوت لما تحبوا الدنيا سكوت"...عن الظبطية!


أقف عند نافذتى الصغيرة , لا أعرف ماذا يدور برأسى حقا , أشعر بالحزن , أشعر _فقط _ بكل الفراغات فى المشهد الفسيح من أمامى , رغم أنه لا يخلو من أى مبنى أو خرسانة , لا شىء سوى السماء . ألمح بنظرى المحدود مجموعة من الشبان يقفون فى منتصف الطريق , يلعبون الكرة ..بالقدم.أخذت أتأملهم , فوجدتهم فى الحقيقة لا يلعبون , فهم يكتفوا بتمرير الكرة من أحدهم للأخر , الكرة لا تتوقف عن الدوران بين أرجلهم , تدور فى خفة و رشاقة الشباب المعهودة حتى و ان لم يكونوا محترفين ...لكن بلا هدف ! ابتسمت لهم بمرارة , فقد رأيت فيهم كل البشر . ترى بماذا يفكرون الأن ؟ هل يفكرون فى مستقبلهم أم فى حال البلاد ؟ هلى ينظر كلا منهم إلى الأخر و يتمنى _فقط_أن يجده غدا , معهم , و فى نفس المكان ؟ أم أن الأمر لم يعد يهمهم ؟...إذن هل يعلمون بقانون الظبطية الذى تم اصداره منذ ساعات  ؟ هل يشعرون بالقهر يسرى فى أطرافهم بلا هدف و بلا معنى , هل يهين شبابهم ؟ أم أن حتى شبابهم لم يعد يهم ؟.

يذكرنى "قانون الظبطية" بنظرية كنت قد درستها بمادة الإقتصاد فى المرحلة الثانوية , لا أذكر إسم النظرية و لا أذكر فحواها تماما , كل ما أذكره تماما هو المثال الذى ضربه لنا المدرس ليُفهمنا الدرس , عندما قال : " فى مصر _مثلا_ عندما يطلق أحدهما منتجا جديدا للأسواق يتم إعفاءه فى الخمس سنين الأولى من الضرائب , جميل , إلا أن بعض هؤلاء التجار تختفى منتجاتهم بعد الخمس سنوات ثم يعود نفس المنتج ليظهر لنا تحت مسمى جديد , هو نفس المنتج , اللون , الرائحة , والطعم هم نفسهم ." !!

المشكلة , أن معظمنا درس هذه النظريات ربما تحت مسمى نظريات أخرى , ربما فى الأحياء ربما فى الكيمياء أوفى الجيولوجيا , نظريات تؤول إلى حقيقة ما واحدة, و إلى واقع نعيشه و هو أننا فى مصر الأن نمهد الطريق أمام الأشياء القديمة لتعود لنا فى ثياب جديدة .كل شىء قديم يتم انتاجه من جديد بأسماء جديدة , عمليات الترقيع مستمرة من قبل عاهرات السلطة الفاسدة , عاهرات تقاوم سقوطها , بإرهابنا , و نحن نساعدها فى ذلك بتقبلنا للأسماء الجديدة ( الجيش – العسكر – شفيق – طنطاوى....إلخ ) .
لكن , أتعلم ما هو الحقيقى يا صديقى , أن تلك الثورة أنهكتنى , تلك الثورة أتعبتنى مثلما أتعبتك . مثلما تعانى منها أنت الأن , لست أكثر منك سعادة .جميعنا يعلم أن يريد أن يغمض عيناه و يفتحهما مرة أخرى ليجد كل شىء باللون الأخضر , ليجد أننا وصلنا حيث الحلم الجميل .و البعض الأخر يتمنى لو أنه يعود إلى الوراء و كأن شيئا لم يكن و كأنه لم تكن ثورة , و كأننا محكومين من قبل مبارك و العادلى , و كأن خالد سعيد لم يقتل ,و أن كنيسة القديسين لم يمسسها مكروه , و أن رجال أمن الدولة لم يغتصبوا النساء أمام أزواجهم أو أنهم أفقدوا الرجال ذكورتهم , تلك الأيام حيث كان الجميع يمشى بجانب حوائط أقامها كل مواطن "ليكفى خيره شره " , حيث كان المواطن المصرى يعيش أسعد لحظات استقراره و أمانه الوهمى .....لحظة ! ...لكن هذا لن يحدث , و لن يكن إلا كذلك مع مثل هذه الأنظمة .

الثورة أتعبتنا لأننا جميعا نعانى أعراض الإنسحاب , نعم , هى تلك الأعراض الخاصة بمدمنى المخدرات أو الخمر أو غيرهم من أنواع الإدمان المختلفة و التى يشترك فيها عنصر الانسحاب أو الابتعاد عن الشىء . لكن فى حالتنا تلك أفضل أن أسميها "أعراض النهوض الثقيل" , فالإنسحاب به شىء من الخيبة و الرجوع إلى الوراء, أمام قوة العدو أو المرض , نحن لم نهزم , المدمن لم يهزم بابتعاده , نحن فقط نتألم لأننا نسلخ من جلدنا طبقات من الفساد و الرشوة و المحسوبية و انعدام الضمير و السكوت عن الحق , كنا ننام ك يوم فى أحضان تأثير المخدر , الذى يؤلم لحظة استيقاظ المخ فنعود لنسكنه بهذه المسكنات مرة أخرى .

صديقى, سواء كنت مؤيد أو معارض للثورة , إعلم أنك تعانى نفسى أعراض "النهوض الثقيل " , أنت تشعر بالإكتئاب , لأنك تنهض بنفسك من غيبوبة سياسية أو فكرية , من صدمة خلفتها الثورة , من خيبة سنين عشتها من قبل , من يأس تملك روحك , أن تقاوم , فى الحالتين أنت تقاوم , تقاوم التقدم إلى الأمام أو تقاوم الرجوع للخلف , لكن ثق أننا جميعا ننهض , ربما لا نعلم إلى أين , لكن بعضنا ينهض , و جميعنا يجب أن ينهض , و لا عيب ألا تكون لحظة نهوضننا تلك واحدة , فلا تلم صديقك إن لم ينهض بعد سنة أو سنتان , لا تلم صديقك إن لم يكن ينهض أبدا ...

فقط , إخبر صديقك , أنه حر , و أن قانون الظبطية _أو أى قوانين أخرى يعاد تدويرها _ ليست لأمثالنا , نحن الأحرار , نحن الأحرار لا تهمنا تلك الحدود الوهمية التى رسمتونها أنتم بالقوة فى خرائط حياتنا , لا يهمنا الطرف الثالث المتمثل فى شخصكم , لا تهمنا مبانى و منشأت الوطن قدر اهتمامنا بأبناء هذا الوطن , لا يهمنا خطابات عن نزع السلاح الذى زرعتموه أنتم , لا نخاف الإرهاب الذى تصنعوه أنتم , لا تهمنا مخاوفكم التى تحاولون بثها فى قلوبنا . نحن كنا نحلم _حقا_ بأن نزرع شتلة صغيرة على نوافذنا , لأ أن نحمل دماء أصدقائنا بين أيدينا , أنتم من يجب أن تكفوا لا نحن !

أنت أيها الجرثوم العنيد _ طنطاوى أو شفيق _ , سأتصدى لك ,فأنا أعلم من إعادتك للطوارىء فى شكلا جديدا , أنك ترتجف من داخلك خوفا منى , قوتى التى يراها الخلق لا تضاهى قوة سلاحك أو مدرعاتك , تتفوق عليك , تؤرق نومك .أنا لا أخاف رصاصك , إنما أنت من يرعبه وجودى , يرعبك أن أقول " الإعدام لطنطاوى" أو "يسقط كل كلاب العسكر". تخافنى لأنى أخاف الله عز و جل و لأنك لا تخاف الله , و لأنى أخاف الله فلا أخافك.. أتعلم , علمتنا عشق الموت , أتعلم أن الطرقات ستمتلىء بنا ؟ أتعلم أننا سنصل إلى سريرك و نحاصرك و أنه و الله الذى رفع السموات و بسط الأرض , لن نجعلك تنجو بفعلتك و أنك لن ترحل إلا و الدماء تسيل من جسدك  و روحك تخرج كالمنشار الذى ينشر فى الخشب !!

تحمل يا صديقى ما تبقى , أرجوك فأنت أملى الأخير بعد الله , سنسقط دولتهم بإذن الله ,,,سيسقط حكم العسكربإذن الله و سيسقط معهم الأراجوزان القاتلان طنطاوى و شفيق !
نصر الله قريب ...